الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل هو جمع طبق، وهو نعت لسبع، وقرأ ابن أبي عبلة، {طباقٍ} بالخفض على النعت ل {سموات}، وقوله تعالى: {وجعل القمر فيهن} ساغ ذلك لأن القمر من حيث هو في إحداها فهو في الجميع، ويروى أن القمر في السماء الدنيا، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن العباس: إن الشمس والقمر أقفارهما إلى الأرض وإقبال نورهما وارتفاعه في السماء، وهو الذي تقتضيه لفظة السراج، وقيل إن الشمس في السماء الخامسة، وقيل في الرابعة، وقال عبد الله بن عمر: هي في الشتاء في الرابعة وفي الصيف في السابعة. وقوله تعالى: {أنبتكم من الأرض نباتا} استعارة من حيث أخذ آدم عليه السلام من الأرض ثم صار الجميع {نباتا} منه، وقوله تعالى: {نباتا} مصدر جار على غير المصدر، التقدير فنبتم {نباتا}، والإعادة فيها: هي بالدفن فيها الذي هو عرف البشر، والإخراج: هو البعث يوم القيامة لموقف العرض والجزاء، وقوله تعالى: {بساطا} يقتضي ظاهره أن الأرض بسيطة كروية واعتقاد أحد الأمرين غير قادح في نفسه اللهم إلا أن يتركب على القول بالكروية نظر فاسد، وأما اعتقاد كونها بسيطة فهو ظاهر كتاب الله تعالى، وهو الذي لا يلحق عنه فساد البتة. واستدل ابن مجاهد على صحة ذلك بماء البحر المحيط بالمعمور، فقال: لو كانت الأرض كروية لما استقر الماء عليها. والسبل: الطرق والفجاج: الواسعة.{قال نُوحٌ ربِّ إِنّهُمْ عصوْنِي واتّبعُوا منْ لمْ يزِدْهُ مالُهُ وولدُهُ إِلّا خسارا (21)}المعنى فلما لم يطيعوا ويئس نوح من إيمانهم قال نوح: {رب إنهم عصوني} واتبعوا أشرافهم وغواتهم، فعبر عنهم بأن أموالهم وأولادهم زادتهم {خسارا} أي خسرانا، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع في رواية خارجة عنه {ووُلْده} بضم الواو وسكون اللام، وهي قراءة ابن الزبير والحسن والأعرج والنخعي ومجاهد، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر {وولده} بفتح اللام والواو وهما بمعنى واحد كبُخْل وبخل وهي قراءة أبي عبد الرحمن والحسن وأبي رجاء وابن وثاب وأبي جعفر وشيبة، وقرأ: {ووِلده} بكسر الواو والجحدري وزر والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق وطلحة، وقال أبو عمرو: {وُلْد} بضم الواو وسكون اللام العشيرة والقوم، وقال أبو حاتم يمكن أن يكون الوُلد بضم الواو جمع الولد وذلك كخشب وخشب، وقد قال حسان بن ثابت: الكامل: وقرأ جمهور الناس: {كبّارا} بشد الباء وهو بناء مبالغة، نحو حسان. قال عيسى: وهي لغة يمانية وعليها قول الشاعر أبو صدقة الدبيري: الكامل: بضم الواو، وقرأ ابن محيصن وعيسى ابن عمر {كبار} بتخفيف الباء وهو بناء مبالغة إلا أنه دون الأول، وقرأ ابن محيصن فيما روى عنه أبو الأخريط وهب بن واضح بكسر الكاف، وقال ابن الأنباري جمع كبير فكأنه جعل المكر مكان ذنوب أفاعل ونحوه. وقوله تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم} إخبار عن توصيهم بأصنامهم على العموم، وما كان منها مشهور المكانة، وما كان منها يختص بواحد واحد من الناس، ثم أخذوا ينصون على المشهور من الأصنام، وهذه الأصنام روي أنها أسماء رجال صالحين كانوا في صدر الدنيا، فلما ماتوا صورهم أهل ذلك العصر من الحجر، وقالوا: ننظر إليها فنذكر أفعالهم فهلك ذلك الجيل وكثر تعظيم الآخر لتلك الحجارة، ثم كذلك حتى عبدت ثم انتقلت تلك الأصنام بأعيانها، وقيل بل الأسماء فقط إلى قبائل من العرب، فكانت (ودّ) في كلب بدومة الجندل، وكانت (سواع) في هذيل، وكانت {يغوث} في مراد، وكانت {يعوق} في همذان، وكانت (نسر) في ذي الكلاع من حمير. وقرأ نافع وحده ورويت عن عاصم بضم الواو. وقرأ الباقون والأعمش والحسن وطلحة وشيبة وأبو جعفر: بخلاف عن الثلاثة {ودا} بفتح الواو، وقال الشاعر: البسيط: فيقال إنه أراد بذلك الصنم، وقال آخر الحطيئة: الطويل: يروى البيتان بضم الواو، وقرأ الأعمش: {ولا يغوثا ويعوقا} بالصرف، وذلك وهم، لأن التعريف لازم ووزن الفعل. وقوله: {وقد أضلوا كثيرا} هو إخبار نوح عنهم وهو منقطع مما حكاه عنهم. والمعنى وقد أضل هؤلاء القائلون كثيرا من الناس الأتباع والعوام، ثم دعا عليهم إلى الله تعالى بأن لا يزيدهم إلا ضلالا، وذكر {الظالمين} لتعم الدعوة الدعوة كل من جرى مجراهم. وقال الحسن في كتاب النقاش: أراد بقوله: {وقد أضلوا}، الأصنام المذكورة وعبر عنها بضمير من يعقل من حيث يعاملها جمهور أهلها معاملة من يعقل، ويسند إليها أفعال العقل. وقوله تعالى: {مما خطيئاتهم} ابتداء إخبار من الله تعالى لمحمد عليه السلام، أي أن دعوة نوح أجيبت فآل أمرهم إلى هذا، و(ما) الظاهرة: في قوله: {مما} زائدة فكأنه قال: من خطيئاتهم أغرقوا وهي لابتداء الغاية، وقرأ: {مما خطيئتهم} على الإفراد الجحدري والحسن، وقرأ أبو عمرو وحده والحسن وعيسى والأعرج وقتادة بخلاف عنهم {مما خطاياهم} على تكسير الجمع. وقال: {فأدخلوا نارا} يعني جهنم، وعير عن ذلك بفعل الماضي من حيث الأمر متحقق. وقيل أراد عرضهم على النار غدوا وعشيا عبر عنهم بالإدخال. وقوله: {فلم يجدوا} أي لم يجد المغرقون أحدا سوى الله ينصرهم ويصرف عنهم بأس الله تعالى.{وقال نُوحٌ ربِّ لا تذرْ على الْأرْضِ مِن الْكافِرِين ديّارا (26)}روى محمد بن كعب والربيع وابن زيد، أن نوحا عليه السلام لم يدع بهذه الدعوة إلا بعد أخرج الله تعالى كل مؤمن من أصلابهم وأعقم أرحام النساء قبل العذاب بسبعين سنة، قال قتادة: وبعد أن أوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. وقد كان قبل ذلك طامعا حدبا عليهم. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه ربما ضربه ناس منهم أحيانا حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون». و{ديّارا} أصله ديوارا وهو فِيعال من الدوران أي من يجيء ويذهب يقال منه دوار وزنه فيعال أصله ديوار، وهذا كالقوام والقيام. وقرأ جمهور الناس: {ولوالدي} وقرأ أبي بن كعب {ولأبوي}، وقرأ سعيد بن جبير {ولوالدِي} بكسر الدال يخص أباه بالدعوة. وقال ابن عباس: لم يكفر بنوح ما بينه وبين آدم عليه السلام، وقرأ يحيى بن يعمر والجحدري: {ولولديّ} بفتح اللام وشد الياء المفتوحة وهي قراءة النخعي يخص بالدعاء ابنيه، وبيته: المسجد فيما قال ابن عباس وجمهور المفسرين. وقال ابن عباس أيضا: بيته: شريعته ودينه استعار لها بيتا كما يقال: قبة الإسلام، وفسطاط الدين. وقيل أراد سفينته، وقيل داره. وقوله: {للمؤمنين والمؤمنات} تعميم بالدعاء لمؤمني كل أمة، وقال بعض العلماء: إن الذي استجاب لنوح عليه السلام فأغرق بدعوته أهل الأرض الكفار لجدير أن يستجيب له فيرحم بدعوته المؤمنين. و: (التبار) الهلاك وذهاب الرسم، وقرأ حفص عن عاصم وهشام وأبو قرة عن نافع: {بيتي} بتحريك الياء، وقرأ الباقون بسكونها. اهـ.
|